الأحد، 13 مارس 2016

قصائد لمحمود درويش

أجمل قصائد محمود درويش
 الشاعر الفلسطيني العربي الإنسان ، كل حروفه من ذهب ، خالدة مع الجمال ، خالدة مع الروعة وخالدة مع الإبداع الذي لن يموت ، وهذه مقتطفات من جميل أشعار شاعرنا الراحل الحاضر في ذاكرتنا العظيم

محمود درويش :
العصافير تموت في الجليل
- نلتقي بعد قليل
 بعد عامٍ
بعد عامين
و جيلْ
و رَمَتْ في آلة التصوير
 عشرين حديقهْ
و عصافيرَ الجليل.
 و مضتْ تبحث، خلف البحر،
 عن معنى جديد للحقيقة. -
 وطني حبل غسيل
 لمناديل الدم المسفوك في كل دقيقهْ
و تمددت على الشاطئ رملاً.
. و نخيلْ. - هِيَ لا تعرف يا ريتا!
وهبناكِ أنا و الموتُ سِرَّ الفرح
الذابل في باب الجماركْ و تجدَّدنا،
 أنا و الموت، و في شبّاك دارك. -
 و أنا و الموت
 وجهان لماذا تهربين الآن من وجهي لماذا تهربين؟
 و لماذا تهربين الآن ممّا يجعل القمح رموشَ الأرض،
ممّا يجعل البركان وجهاً آخراً للياسمين؟.
. كان لا يتبعني في الليل إلاّ صمتها حين يمتدُّ أمام الباب كالشارع..
كالحيِّ القديمْ ليكن ما شئت -
يا ريتا- يكون الصمت فأساً
و براويز نجوم أو مناخاً لمخاض الشجرهْ
إنني أرتشف القُبلَة من حدِّ السكاكين، تعالي ننتمي للمجزرهْ!..
سقطتْ كالورق الزائد أسراب العصافير بآبار الزمنْ..
 وأنا أنتشل الأجنحة الزرقاء يا ريتا،
 أنا مَنْ تحفر الأغلالُ في جلديَ شكلاً للوطنْ...

في الانتظار

 في الانتظار،
 يُصيبُني هوس برصد الاحتمالات الكثيرة:
ربما نسيت حقيبتها الصغيرة في القطار
فضاع عنواني وضاع الهاتف المحمول،
فانقطعت شهيتها وقالت:
 لا نصيب له من المطر الخفيف
وربما انشغلت بأمر طارئٍ أو رحلةٍ نحو الجنوب
كي تزور الشمس، واتصلت ولكن لم تجدني في الصباح،
 فقد خرجت لاشتري غاردينيا لمسائنا وزجاجتين من النبيذ
وربما اختلفت مع الزوج القديم على شئون الذكريات،
 فأقسمت ألا ترى رجلاً يُهددُها بصُنع الذكريات
وربما اصطدمت بتاكسي في الطريق إلي، فانطفأت كواكب في مجرتها.
وما زالت تُعالج بالمهدئ والنعاس
وربما نظرت إلى المرآة قبل خروجها من نفسها،
وتحسست أجاصتين كبيرتين تُموجان حريرها،
فتنهدت وترددت: هل يستحق أنوثتي أحد سواي وربما عبرت، مصادفة،
 بِحُب سابق لم تشف منه، فرافقته إلى العشاء وربما ماتت، فان الموت يعشق فجأة،
مثلي، وإن الموت، مثلي،
لا يحب الانتظار عابرون
 في كلام عابر أيها المارُّون بين الكلمات العابرة
 احملوا أسماءكم وانصرفوا واسحبوا ساعاتكم من وقتنا،
 و انصرفوا وخذوا ما شئتم من زرقة البحر و رمل الذاكرة
و خذوا ما شئتم من صورٍ كي تعرفوا أنكم لن تعرفوا كيف يبني حجرٌ من أرضنا سقف السماءْ...
 أيها المارُّون بين الكلمات العابرة منكم السيف
- ومنَّـا دمنا منكم الفولاذ والنار-
 ومنَّـا لحمنا منكم دبابة أخرى- ومنا حجرُ منكم قنبلة الغاز -
ومنا المطرُ وعلينا ما عليكم من سماء وهواء فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا
وادخلوا حفل عشاء راقصٍ..
و انصرفوا وعلينا، نحن، أن نحرس ورد الشهداء ْ..
و علينا، نحن، أن نحيا كما نحن نشاء ! أيها المارُّون بين الكلمات العابرة كالغبار
 المُرّ مرّوا أينما شئتم ولكنْ لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة
 فلنا في أرضنا ما نعملُ و لنا قمح نربِّيه و نسقيه ندى أجسادنا و
 لنا ما ليس يرضيكم هنا :
حجر...
أو حَجَلُ
 فخذوا الماضي،
اذا شئتم،
إلى سوق التحفْ
و أعيدوا الهيكل العظمي للهدهد
، ان شئتم، على صحن خزف.
 فلنا ما ليس يرضيكم: لنا المستقبلُ ولنا في أرضنا مانعمل

الاثنين، 29 فبراير 2016

السيرة الذاتية للشاعر : محمود درويش

ولد محمود درويش في 13/3/1941 في قرية البروة الفلسطينية التي تقع في الجليل شرق ساحل عكا، طرد من البروة مع أسرته في السادسة من عمره تحت دوي القنابل عام 1947، ووجد نفسه أخيراً مع عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، بعد أن تعرض الشعب الفلسطيني للاقتلاع وتدمير مدنه وقراه.
"أول قرية لبنانية أتذكرها حينذاك هي رميش. ثم سكنا في "جزين" إلى أن هبط الثلج في الشتاء. وفي جزين شاهدت للمرة الأولى في حياتي شلالاً عظيماً.. ثم انتقلنا إلى الناعمة قرب الدامور. وأتذكر الدامور في تلك الفترة جيداً: البحر وحقول الموز.. كنت في السادسة من عمري، لكن ذاكرتي قوية، وعيناي ما زالتا تسترجعان تلك المشاهد.. كنا ننتظر انتهاء الحرب لنعود إلى قرانا. لكن جدي وأبي عرفا أن المسألة انتهت، فعدنا متسللين مع دليل فلسطيني يعرف الطرق السرية إلى شمال الجليل. وقد بقينا لدى أصدقاء إلى أن اكتشفنا أن قريتنا البروة لم تعد موجودة. -وجدت عائلة درويش قريتها مهدومة وقد أقيمت على أراضيها موشاف (قرية زراعية إسرائيلية) "أحيهود"، وكيبوتس يسعور-. فالعودة إلى مكان الولادة لم تتحقق. عشنا لاجئين في قرية أخرى اسمها دير الأسد في الشمال. كنا نسمى لاجئين ووجدنا صعوبة بالغة في الحصول على بطاقات إقامة، لأننا دخلنا بطريقة "غير شرعية"، فعندما أجري تسجيل السكان كنا غائبين. وكانت صفتنا في القانون الإسرائيلي: "الحاضرون- الغائبون"، أي أننا حاضرون جسدياً ولكن بلا أوراق. صودرت أراضينا وعشنا لاجئين".
عاش محمود في حيفا بعدما انتقلت العائلة إلى قرية أخرى اسمها الجديدة وامتلكت فيها بيتاً. "وفي حيفا عشت عشر سنين وأنهيت فيها دراستي الثانوية، ثم عملت محرراً في جريدة "الاتحاد" وكنت ممنوعاً من مغادرة حيفا مدة عشر سنوات. كانت إقامتي في حيفا إقامة جبرية. ثم استرجعنا هويتنا، هوية حمراء في البداية ثم زرقاء لاحقاً وكانت أشبه ببطاقة إقامة. كان ممنوعاً عليّ طوال السنوات العشر أن أغادر مدينة حيفا. ومن العام 1967 لغاية العام 1970 كنت ممنوعاً من مغادرة منزلي، وكان من حق الشرطة أن تأتي ليلاً لتتحقق من وجودي. وكنت أعتقل في كل سنة وأدخل السجن من دون محاكمة. ثم اضطررت إلى الخروج.
انتسب إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي وعمل في صحافة الحزب مثل الاتحاد، والجديد التي أصبح فيما بعد رئيس تحريرها. اتهم بالقيام بنشاط معاد لدولة إسرائيل؛ فطورد واعتقل خمس مرات 1961م، و1965، و1966، و1967، و1969، وفرضت عليه الإقامات الجبرية حتى العام 1970.
لمحمود درويش رأي غير تقليدي في سيرته الذاتية حين قال: أولاً ما يعني القارئ في سيرتي مكتوب في القصائد. وهناك قول مفاده أن كل قصيدة غنائية هي قصيدة أوتو- بيوغرافية أو سير- ذاتية، علماً بأن هناك نظرية تقول إن القارئ لا يحتاج إلى معرفة سيرة الشاعر كي يفهم شعره ويتواصل معه. ثانياً يجب أن أشعر بأن في سيرتي الذاتية ما يفيد، أو ما يقدم فائدة. ولا أخفيك أن سيرتي الذاتية عادية جداً. ولم أفكر حتى الآن في كتابة سيرتي. ولا أحب الإفراط في الشكوى من الحياة الشخصية ومشكلاتها. ولا أريد بالتالي أن أتبجّح بنفسي، فالسيرة الذاتية تدفع أحياناً إلى التبجح بالنفس، فيصوّر الكاتب نفسه وكأنه شخص مختلف. وقد كتبت ملامح من سيرتي في كتب نثرية مثل "يوميات الحزن العادي" أو "ذاكرة للنسيان" ولا سيما الطفولة والنكبة.
محطة موسكو
توجه إلى الاتحاد السوفييتي للدراسة عام 1970. يقول محمود:
"أول رحلة لي خارج فلسطين كانت إلى موسكو. وكنت طالباً في معهد العلوم الاجتماعية، ولكن لم يكن لي هناك بيت بالمعنى الحقيقي. كان غرفة في مبنى جامعي.
أقمت في موسكو سنة. وكانت موسكو أول لقاء لي بالعالم الخارجي. حاولت السفر قبلاً إلى باريس لكن السلطات الفرنسية رفضت دخولي إلى أرضها في العام 1968. كانت لدي وثيقة إسرائيلية لكنّ الجنسية غير محددة فيها. الأمن الفرنسي لم يكن مطلوباً منه أن يفهم تعقيدات القضية الفلسطينية. كيف أحمل وثيقة إسرائيلية وجنسيتي غير محددة فيها وأقول له بإصرار إنني فلسطيني. أبقوني ساعات في المطار ثم سفّروني إلى الوطن المحتل.
كانت موسكو أول مدينة أوروبية وأول مدينة كبيرة أعيش فيها. طبعاً اكتشفت معالمها الضخمة ونهرها ومتاحفها ومسارحها.. تصور ما يكون رد فعل طالب فتيّ ينتقل من إقامة محاصرة إلى عاصمة ضخمة! تعلمت الروسية قليلاً لأتدبر أموري الشخصية. لكن اصطدامي بمشكلات الروس يومياً جعل فكرة "فردوس" الفقراء التي هي موسكو، تتبخر من ذهني وتتضاءل. لم أجدها أبداً جنة الفقراء، كما كانوا يعلّموننا.
فقدت الفكرة المثالية عن الشيوعية لكنني لم أفقد ثقتي بالماركسية. كان هناك تناقض كبير بين تصوّرنا أو ما يقوله الإعلام السوفييتي عن موسكو والواقع الذي يعيشه الناس، وهو مملوء بالحرمان والفقر والخوف. وأكثر ما هزّني لدى الناس هو الخوف. عندما كنت أتكلم معهم أشعر أنهم يتكلمون بسرية تامة. وإضافة إلى هذا الخوف كنت أشعر أن الدولة موجودة في كل مكان بكثافة. وهذا ما حوّل مدينة موسكو من مثال إلى مدينة عادية.

الأربعاء، 24 فبراير 2016

اقوال محمود درويش عن فلسطين



الجميع يحب فلسطين وأرضها وترابها، والكل تغنّى بها بأشعار وخواطر وكلمات وعبارات لأنّها ليست الأجمل لكنها الأعمق بجوهرها، ومن الذين قالوا عن فلسطين محمود درويش وهو من الشعراء الفلسطينيين والعرب، وهنا في هذا المقال جمعتُ لكم أجمل الأقوال والشعر لمحمود درويش عن فلسطين.
 اقوال محمود درويش عن فلسطين
  •  هل في وسعي أن اختار أحلامي، لئلا أحلم بما لا يتحقق.
  •  أمّا أنا، فسأدخلُ في شجر التوت حيث تُحوّلني دودة القزّ خيطَ حريرٍ، فأدخلُ في إبرة امرأةٍ من نساء الأساطير، ثمّ أطيرُ كشالٍ مع الريح.
  •  والتاريخ يسخر من ضحاياه ومن ابطالهم.. يلقي عليهم نظرة ويمر!.
  •  أتيتُ ولكني لم أصل.. وجئتُ ولكني لم أعد.
  • سنصير شعباً حين لا نتلو صلاة الشكر للوطن المقدَّس، كلما وجد الفقيرُ عشاءَهُ.. سنصير شعباً حين نشتم حاجبَ السلطان والسلطان، دون محاكمة.
  •  أحببتك مرغما ليس لأنك الأجمل بل لأنك الأعمق فعاشق الجمال في العادة احمق.
  •  سأَصير يوماً ما أُريدُ.. سأصير يوماً طائراً، وأَسُلُّ من عَدَمي وجودي.. كُلَّما احتَرقَ الجناحانِ اقتربتُ من الحقيقةِ، وانبعثتُ من الرمادِ.. أَنا حوارُ الحالمين، عَزَفتُ عن جَسَدي وعن نفسي لأُكمِلَ رحلتي الأولى إلى المعنى، فأَحرَقَني وغاب.. أَنا الغيابُ.. أَنا السماويُّ الطريدُ.
  • عام يذهب وآخر يأتي وكل شيء فيك يزداد سوءاً يا وطني.
  •  قصب هياكلنا وعروشنا قصب.. في كل مئذنة حاو ومغتصب.. يدعو لأندلس إن حوصرت حلب.
  •  وليسَ لنا فِي الحنين يَد.. وفي البُعد كان لنا ألف يَد.. سلامٌ عليك، افتقدتكَ جدًا.. وعليّ السَلام فِيما افتقِد !.
  •  بلَدٌ يُولَدُ من قبر بَلَد.. ولصوصٌ يعبدون الله كي يعبدهم شَعبٌ.. ملوكٌ للأبد وعبيدٌ للأبد.
  • علينا الا نلوم المفجرين الانتحاريين.. نحن ضد المفجرين الانتحاريين، لكن يجب علينا أن نفهم ما الذي يدفع هؤلاء الشباب للقيام بتلك الأفعال.. إنهم يريدون تحرير أنفسهم من هذه الحياة المظلمة.. إنها ليست الإيديولوجية، بل اليأس.
  • كل نهر، وله نبع ومجرى وحياة ! يا صديقي!.. أرضنا ليست بعاقر كل أرض، ولها ميلادها.. كل فجر وله موعد ثائر !.
  • وها أَنَذَا أستطيعُ الحَياةَ إلى آخِر الشَّهر.. أَبذُلُ جُهدي لأكتُب ما يُقنعُ القَلبَ بالنَّبض عِندي.. وما يُقنعُ الروح بالعَيش بَعدي.. وفي وُسع غاردينيا أن تُجدّد عُمري.. وفي وُسع امرأة أن تُحدّد لَحدي
  • في اللامبالاة فلسفة، إنّها صفة من صفاة الأمل.
  • ولنا أحلامنا الصغرى ؛ كأن نصحو من النوم معافين من الخيبة.. لم نحلم بأشياء عصية ! نحن أحياء وباقون، وللحلم بقية. *كأن يديك المكان الوحيد.. كأن يديك بلد.. آه من وطن في جسد.
  •  النسيان هو تدريب الخيال على احترام الواقع.
  •  هناك حب يمر بنا فلا هو يدري ولا نحن ندري.
  •  من سوء حظي نسيت أن الليل طويل ومن حسن حظك تذكرتك حتى الصباح.
  • هو الوطن ؟ ليس سؤالاً تجيب عليه وتمضي.. إنه حياتك وقضيتك معاً.
  • فارسٌ يُغمد في صدر أَخِيِه خنجراً بإسم الوطنْ ويُصَلِّي لينال المغفرةْ.


*ما هو الوطن؟ هو الشوق إلى الموت من أجل أن تعيد الحق والأرض. ليس الوطن أرضاً. ولكنه الأرض والحق معاً، الحق معك، والأرض معهم.



قصيدة محمود درويش -في القدس-

القدس
في القدس

في القدس، أعني داخل السور القديم،

أسير من زمن إلى زمن بلا ذكرى

تصوبني. فإن الأنبياء هناك يقتسمون

تاريخ القدس... يصعدون إلى السماء

ويرجعون أقل إحباطاً وحزناً، فالمحبة

والسلام مقدسان وقادمان إلى المدينة.

كنت أمشي فوق منحدر وأهجس كيف

يختلف الرواة على كلام الضوء في حجر؟

أمن حجر شحيح الضوء تندلع الحروب؟

أسير في نومي. أحملق في منامي. لا

أرى أحداً ورائي . لا أرى أحداً أمامي.

كل هذا الضوء لي. أمشي. أخف. أطير

ثم أصير غيري في التجلي. تنبت

الكلمات كالأعشاب من فم أشعيا

النبوي: "إن لم تؤمنوا لن تأمًنوا".

أمشي كأني واحد غيري. وجرحي وردة

بيضاء إنجيلية. ويداي مثل حمامتين

على الصليب تحلقان وتحملان الأرض.

لا أمشي، أطير، أصير غيري في 

التجلي. لا مكان ولا زمان . فمن أنا؟

أنا لا أنا في حضرة المعراج. لكني

أفكر: وحده النبي محمد

يتكلم العربية الفصحى. "وماذا بعد؟"

وماذا بعد؟ صاحت فجأة جندية:

هو أنت ثانية؟ ألم أقتلك؟

قلت: قتلتني... ونسيت، مثلك، أن أموت

اجمل قصيدة لشاعر محمود درويش عن فلسطين

قصيدة الأرض
محمود درويش - فلسطين





في شهر آذار، في سنة الإنتفاضة، قالت لنا الأرضُ أسرارها الدموية. في شهر آذار مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمس بنات. وقفن على باب مدرسة إبتدائية، واشتعلن مع الورد والزعتر البلديّ. افتتحن نشيد التراب. دخلن العناق النهائي – آذار يأتي إلى الأرض من باطن الأرض يأتي، ومن رقصة الفتيات – البنفسج مال قليلاً ليعبر صوت البنات. العصافيرُ مدّت مناقيرها في اتّجاه النشيد وقلبي.

أنا الأرض
والأرض أنت
خديجةُ! لا تغلقي الباب
لا تدخلي في الغياب
سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل
سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل
سنطردهم من هواء الجليل.
وفي شهر آذار، مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمس بناتٍ. سقطن على باب مدرسةٍ إبتدائيةٍ. للطباشير فوق الأصابع لونُ العصافيرِ. في شهر آذار قالت لنا الأرض أسرارها.


-2-

أُسمّي الترابَ امتداداً لروحي
أُسمّي يديّ رصيفَ الجروح
أُسمّي الحصى أجنحة
أسمّي العصافير لوزاً وتين
وأستلّ من تينة الصدر غصناً
وأقذفهُ كالحجرْ
وأنسفُ دبّابةَ الفاتحين.

-3-

وفي شهر آذار، قبل ثلاثين عاما وخمس حروب،
وُلدتُ على كومة من حشيش القبور المضيء.
أبي كان في قبضة الإنجليز. وأمي تربّي جديلتها وامتدادي على العشب. كنت أحبّ "جراح الحبيب" و أجمعها في جيوبي، فتذبلُ عند الظهيرة، مرّ الرصاص على قمري الليلكي فلم ينكسر،
غير أنّ الزمان يمرّ على قمري الليلكي فيسقطُ سهواً...
وفي شهر آذار نمتدّ في الأرض
في شهر آذار تنتشرُ الأرض فينا
مواعيد غامضةً
واحتفالاً بسيطاً
ونكتشف البحر تحت النوافذ
والقمر الليلكي على السرو
في شهر آذار ندخلٌُ أوّل سجنٍ وندخلُ أوّل حبّ
وتنهمرُ الذكريات على قرية في السياج
وُلدنا هناك ولم نتجاوز ظلال السفرجل
كيف تفرّين من سُبُلي يا ظلال السفرجل؟
في شهر آذار ندخلُ أوّل حبٍّ
وندخلُ أوّل سجنٍ
وتنبلجُ الذكريات عشاءً من اللغة العربية:
قال لي الحبّ يوماً: دخلت إلى الحلم وحدي فضعتُ وضاع بي الحلم. قلت تكاثرْ!
تر النهر يمشي إليك.
وفي شهر آذار تكتشف الأرض أنهارها.

-4-

بلادي البعيدة عنّي.. كقلبي!
بلادي القريبة مني.. كسجني!
لماذا أغنّي
مكاناً، ووجهي مكانْ؟
لماذا أغنّي
لطفل ينامُ على الزعفران؟
وفي طرف النوم خنجر
وأُمي تناولني صدرها
وتموتُ أمامي
بنسمةِ عنبر؟


-5-

وفي شهر آذار تستيقظ الخيل
سيّدتي الأرض!
أيّ نشيدٍ سيمشي على بطنك المتموّج، بعدي؟
وأيّ نشيدٍ يلائم هذا الندى والبخور
كأنّ الهياكل تستفسرُ الآن عن أنبياء فلسطين في بدئها المتواصل
هذا اخضرار المدى واحمرار الحجارة-
هذا نشيدي
وهذا خروجُ المسيح من الجرح والريح
أخضر مثل النبات يغطّي مساميره وقيودي
وهذا نشيدي
وهذا صعودُ الفتى العربيّ إلى الحلم والقدس.
في شهر آذار تستيقظ الخيلُ.
سيّدتي الأرض!
والقمم اللّولبية تبسطها الخيلُ سجّادةً للصلاةِ السريعةِ
بين الرماح وبين دمي.
نصف دائرةٍ ترجعُ الخيلُ قوسا
ويلمعُ وجهي ووجهك حيفا وعُرسا
وفي شهر آذار ينخفضُ البحر عن أرضنا المستطيلة مثل
حصانٍ على وترِ الجنس
في شهر آذار ينتفضُ الجنسُ في شجر الساحل العربي
وللموج أن يحبس الموج ... أن يتموّج...أن
يتزوّج .. أو يتضرّح بالقطن
أرجوك – سيّدتي الأرض – أن تسكنيني صهيلك
أرجوك أن تدفنيني مع الفتيات الصغيرات بين البنفسج والبندقية
أرجوك – سيدتي الأرض – أن تخصبي عمري المتمايل بين سؤالين: كيف؟ وأين؟
وهذا ربيعي الطليعي
وهذا ربيعي النهائيّ
في شهر آذار زوّجتُ الأرضُ أشجارها.

-6-

كأنّي أعود إلى ما مضى
كأنّي أسيرُ أمامي
وبين البلاط وبين الرضا
أعيدُ انسجامي
أنا ولد الكلمات البسيطة
وشهيدُ الخريطة
أنا زهرةُ المشمش العائلية.
فيا أيّها القابضون على طرف المستحيل
من البدء حتّى الجليل
أعيدوا إليّ يديّ
أعيدوا إليّ الهويّة!

-7-

وفي شهر آذار تأتي الظلال حريرية والغزاة بدون ظلال
وتأتي العصافير غامضةً كاعتراف البنات
وواضحة كالحقول
العصافير ظلّ الحقول على القلب والكلمات.
خديجة!
- أين حفيداتك الذاهباتُ إلى حبّهن الجديد؟
- ذهبن ليقطفن بعض الحجارة-
قالت خديجة وهي تحثّ الندى خلفهنّ.
وفي شهر آذار يمشي التراب دماً طازجاً في الظهيرة. خمس بناتٍ يخبّئن حقلاً من القمح تحت الضفيرة. يقرأن مطلع أنشودةٍ على دوالي الخليل، ويكتبن خمس رسائل:
تحيا بلادي
من الصفر حتّى الجليل
ويحلمن بالقدس بعد امتحان الربيع وطرد الغزاة.
خديجةُ! لا تغلقي الباب خلفك
لا تذهبي في السحاب
ستمطر هذا النهار
ستمطرُ هذا النهار رصاصاً
ستمطرُ هذا النهار!
وفي شهر آذار، في سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض أسرارها الدّمويّة: خمسُ بناتٍ على باب مدرسةٍ ابتدائية يقتحمن جنود المظلاّت. يسطعُ بيتٌ من الشعر أخضر... أخضر. خمسُ بناتٍ على باب مدرسة إبتدائيّة ينكسرن مرايا مرايا
البناتُ مرايا البلاد على القلب..
في شهر آذار أحرقت الأرض أزهارها.

-8-

أنا شاهدُ المذبحة
وشهيد الخريطة
أنا ولد الكلماتُ البسيطة
رأيتُ الحصى أجنحة
رأيت الندى أسلحة
عندما أغلقوا باب قلبي عليّا
وأقاموا الحواجز فيّا
ومنع التجوّل
صار قلبي حارةْ
وضلوعي حجارةْ
وأطلّ القرنفل
وأطلّ القرنفل


-9-

وفي شهر آذار رائحةٌ للنباتات. هذا زواجُ العناصر. "آذار أقسى الشهور" وأكثرها شبقاً. أيّ سيفٍ سيعبرُ بين شهيقي وبين زفيري ولا يتكسّرُ ! هذا عناقي الزّراعيّ في ذروة الحب. هذا انطلاقي إلى العمر.
فاشتبكي يا نباتات واشتركي في انتفاضة جسمي، وعودة حلمي إلى جسدي
سوف تنفجرُ الأرضُ حين أُحقّقُ هذا الصراخ المكبّل بالريّ والخجل القرويّ.
وفي شهر آذار نأتي إلى هوس الذكريات، وتنمو علينا النباتات صاعدةً في اتّجاهات كلّ البدايات. هذا نموُّ التداعي. أُسمّي صعودي إلى الزنزلخت التداعي. رأيت فتاةً على شاطئ البحر قبل ثلاثين عاماً وقلتُ: أنا الموجُ، فابتعدتْ في التداعي. رأيتُ شهيدين يستمعان إلى البحر: عكّا تجئ مع الموج.
عكّا تروح مع الموج. وابتعدا في التداعي.
ومالت خديجة نحو الندى، فاحترقت. خديجة! لا تغلقي الباب!
إن الشعوب ستدخلُ هذا الكتاب وتأفل شمسُ أريحا بدونِ طقوس.
فيا وطن الأنبياء...تكامل!
ويا وطن الزارعين .. تكاملْ!
ويا وطن الشهداء.. . تكامل!
ويا وطن الضائعين .. تكامل!
فكلّ شعاب الجبال امتدادٌ لهذا النشيد.
وكلّ الأناشيد فيك امتدادٌ لزيتونة زمّلتني.

-10-

مساءٌ صغيرٌ على قريةٍ مهملة
وعيناك نائمتان
أعودُ ثلاثين عاماً
وخمس حروبٍ
وأشهدُ أنّ الزمانْ
يخبّئ لي سنبلة
يغنّي المغنّي
عن النار والغرباء
وكان المساءُ مساء
وكان المغنّي يغنّي
ويستجوبونه:
لماذا تغنّي؟
يردّ عليهم:
لأنّي أغنّي
.....
وقد فتّشوا صدرهُ
فلم يجدوا غير قلبه
وقد فتّشوا قلبه
فلم يجدوا غير شعبه
وقد فتشوا صوته
فلم يجدوا غير حزنه
وقد فتّشوا حزنه
فلم يجدوا غير سجنه
وقد فتّشوا سجنه
فلم يجدوا غيرهم في القيود
وراء التّلال
ينامُ المغنّي وحيداً
وفي شهر آذار
تصعدُ منه الظلال


-11-

أنا الأملُ والسهلُ والرحبُ – قالت لي الأرضُ والعشبُ مثل التحيّة في الفجر
هذا احتمالُ الذهاب إلى العمر خلف خديجة. لم يزرعوني لكي يحصدوني
يريد الهواء الجليليّ أن يتكلّم عنّي، فينعسُ عند خديجة
يريد الغزال الجليليّ أن يهدم اليوم سجني، فيحرسُ ظلّ خديجة وهي تميل على نارها.
يا خديجةُ! إنّي رأيتُ .. وصدّقتُ رؤياي تأخذني في مداها وتأخذني في هواها. أنا العاشق الأبديّ، السجين البديهيّ. يقتبس البرتقالُ اخضراري ويصبحُ هاجسَ يافا
أنا الأرضُ منذ عرفت خديجة
لم يعرفوني لكي يقتلوني
بوسع النبات الجليليّ أن يترعرع بين أصابع كفّي ويرسم هذا المكان الموزّع بين اجتهادي وحبّ خديجة
هذا احتمال الذهاب الجديد إلى العمر من شهر آذار حتّى رحيل الهواء عن الأرض
هذا الترابُ ترابي
وهذا السحابُ سحابي
وهذا جبين خديجة
أنا العاشقُ الأبديّ – السجينُ البديهيّ
رائحة الأرض توقظني في الصباح المبكّر..
قيدي الحديديّ يوقظها في المساء المبكّر
هذا احتمال الذهابِ الجديد إلى العمر،
لا يسأل الذاهبون إلى العمر عن عمرهم
يسألون عن الأرض: هل نهضت
طفلتي الأرض!
هل عرفوك لكي يذبحوك؟
وهل قيّدوك بأحلامنا فانحدرت إلى جرحنا في الشتاء؟
وهل عرفوك لكي يذبحوك
وهل قيّدوك بأحلامهم فارتفعت إلى حلمنا في الربيع؟
أنا الأرض..
يا أيّها الذاهبون إلى حبّة القمح في مهدها
احرثوا جسدي!
أيّها الذاهبون إلى صخرة القدس
مرّوا على جسدي
أيّها العابرون على جسدي
لن تمرّوا
أنا الأرضُ في جسدٍ
لن تمرّوا
أنا الأرض في صحوها
لن تمرّوا
أنا الأرض. يا أيّها العابرون على الأرض في صحوها
لن تمرّوا
لن تمرّوا
لن تمرّوا!